الفراغ القاتل

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..

لا يوجد جيل يطلب الراحة كجيلنا هذا على الأغلب ، و عندما نحصل عليها و نتفرغ من الدراسة و العمل تجدنا نتذمر من الملل و الفراغ .. و هذا من طبع الإنسان ، لابد أن يمر بفترات ينضغط فيها و يتمنى الراحة ..

لكن للأسف المُلاحظ أن الأمر بدأ يخرج عن نطاق المعقول و بدأ يفقد السيطرة عند بعضنا ..

حب العمل و العلم نعمة من الله ! لا يستشعر أهميتهما إلا من يرى أثرهما في حياته و يلتمس ضرورتهما

لعلَّ المشكلة تكمن في أننا لا نعلم كيف نملأ أوقاتنا بشيء مفيد ، أكثر ما أسمعه من تعليقات هي تذمرات على عدم وجود مراكز ترفيهية أو أماكن للتسلية ، لكن ! هل يعني ذلك أن أستسلم و أضع يدي على خدي في المنزل و أتذمر إما من الملل أو من "ندرة المُسَليات" ؟ ( بغض النظر عن وجود بعض المسليات التي لا نراها .. )

الفرص كثيرة جداً ، و الذكي هو من يعرف كيف يصنعها و لا ينتظرها أن تسقط عليه من السماء ! 

اجلس مرة مع نفسك التي تظن أنك تعرفها جيداً ! تعرف عليها أكثر ، حاول أن تفهمها و تعرف ميولها و اتجاهاتها ، اعرف تركيبة عقلك و ما الذي يجذبك و يستهويك .. أي ببساطة اعرف هواياتك ، ماذا تحب أن تفعل في وقت فراغك ؟

تقرأ ؟ ترسم ؟ تتعلم ؟ تطبخ ؟ تكتب ؟ تصمم ؟ تساعد ؟ تعَلِّم ؟ ترتب ؟ تبحث ؟ أو غيرها

ابدأ بتخصيص ساعات محددة من يومك لتمارس فيها ما تحب و طور نفسك في هذا المجال ، تعلَّم ..

تطوع في جهة من الجهات الخيرية مثلاً ، اقرأ و احفظ صفحات من القرآن ، تمرن و حرك عضلاتك ، تعلم معلومة جديدة كل يوم  .. لديك الكثير من الخيارات و النشاطات التي تستطيع أن تملأ فيها يومك !

اعقد النية في كل عمل تقوم به ، احرص على أن يكون عملك في الخير و أن تكسب من عمله أجر تثقل به ميزان حسناتك

قال الشافعي : ( إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل )

كل فراغ في هذا العالم يُملأ ! حتى الكأس الفارغ مليء بالهواء

اشغل نفسك بما ينفعها حتى لا تشغلك هي بما لا ينفعك أو ما يهلكك من معاصي و توافه الأمور التي لا تضيف شيء لا لحياتك ولا بعد مماتك .

الفراغ أمر حذَّر منه الكتاب و السنة لأنه هدر للطاقات!

 قال محمد الغزالي : ( ليس في استطاعتنا أن نتحمس لعمل مثير و نحس القلق في الوقت نفسه، فإن واحداً من هذين الإحساسين يطرد الآخر)

و ذكر (فيما معناه) أن الفراغ كالمغناطيس الذي يجذب المشاعر السلبية و القلق و التساؤلات التي لا معنى لها.

و ذكر مثال أن الجنود في الحرب العالمية كانوا كثيراً ما يصابون بالقلق و الاضطرابات النفسية نتيجة الوضع الذي يعيشونه فكان الأطباء النفسيين يشغلونهم بشيء آخر و يوكلون إليهم مهمات أخرى.

إذاً ..

حاول أن تملأ جدول يومك قدر المستطاع بشيء مفيد ..

لا تسمح للملل أن يكون مرافقك طوال الوقت ! لو لم تكن في "مود" لعمل بدني فاشغل لسانك بذكر الله !

طيب ..

تخيل معي للحظة ، عندما ترى كتابك يوم الحساب ، هل تريد أن تقلب صفحاته فتراه شبه خالي - و العياذ بالله -؟ بديهي .. لا أحد يريد ذلك

لذلك احرص على أن تفعل شيء قبل أن تقوم بأي عمل لتحفظ أجره بإذن الله ليوم الحساب ! و هو أن تعقد نية خالصة لوجه الله ..

مثلاً أن تقرأ لتفيد نفسك و غيرك و لتتعلم و الدين حث على العلم ، أن تطبخ لتساعد أهلك و تطعمهم و تسعدهم بطبق لذيذ ، أن تصمم صورة أو infographic لتوعي الناس و تعلمهم عن أمر ما.

وفي النهاية يبقى كل ما ذكر أمثلة ..

ادعو الله دائماً أن يبارك لك في جهودك و أن يسخر لك عمل الخير